السيدة خديجة بنت خويلد (ع) واقلام الغرب
بقلم: عباس قاسم عطية المرياني
ونحن نستذكر وفاة السيدة الجليلة الكريمة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) في أيام رمضان المبارك، لا بد ان نعي ان السيدة خديجة لم تكن زوجة للنبي محمد (ص) فحسب، بل كانت اماً واختاً وسنداً، فكتب التاريخ مُلئت بسيرتها العطرة، كيف لا وهي التي انفقت ثروتها في سبيل نشر الإسلام، وضحت وصارعت من اجل قضية زوجها وهي رسالة الإسلام،فهي زوجُ من؟ محمد حبيب الله (ص)، وامُ من؟ فاطمة الزهراء (ع). فمن هذه الشخصية العطرة نستلهم نحن الرجال معاني الحب والوفاء والفداء قبل النساء.
وعلى الرغم من الكتابات الغربية التي تناولت سيرة النبي محمد (ص) وحاولت الطعن بهذه السيرة المباركة وتشويهها، الا ان هناك كتابات قد انصفت وتميزت بالاعتدال، ففي تناولنا لما ذهبت له هذه الكتابات نجد العديد منهم قد عَبرَ عن اعجابه وذهوله لمواقف السيدة خديجة في دعم زوجها النبي محمد (ص)، فالمستشرق الإنكليزي كارليل في كتابه الابطال يقول: “أن الصالحة خديجة أصغت اليه في دهشة وشك، ثم آمنت وقالت إي وربي انه لحق، وأن محمداً شكر لها ذلك الصنيع، ورأى في ايمانها بكلمته الخاصة المقذوفة من بركان صدره جميلاً يفوق كل ما أسدت اليه من قبل، فأنه ليس أروح لنفس المرء ولا أثلج لحشاه من أن يجد له شريكاً في اعتقاده … وان هذا لصنع أغر ونعمة وفيرة وكذلك ما انفك محمد يذكر خديجة حتى لقي ربه”
لقد دعمت السيدة خديجة دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشجعته، وكانت له خير سند طيلة دعوته، فهي اول من اسلم، والوحيدة التي نالت عطفه واحترامه من بين نساءه، فعن مكانتها، ومنزلتها قال (ص): “خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة”، وعن مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) قالت: “والله يا رسول الله لا ينفعني عيشي حتى تسأل جبريل عن أمي، فسأله، فقال: هي بين مريم وسارة في الجنة”
وعن حب النبي (ص) لها يذكر المستشرق الروماني جيورجيو في كتايه نظرة جديدة في سيرة رسول الله: “لم يكن محمد شاعراً حتى يصف خديجة بشعره، ولكنه كان كأي عربي يرى في المرأة جمال الطبيعة، وقد ظل خمسة وعشرين سنة وفياً من غير أن يفكر في غيرها، فبالإضافة إلى أنها بهذه الخصال الحميدة العديدة كانت صديقة وفية لمحمد، وكلما رجع إليها يستشيرها دلته على أفضل السبل، وكثيراً ما كان يستفيد من آراء تلك المرأة، فقد كانت خديجة أول من آمن بمحمد ومع أنها امرأة، فإنها تاجرة، والتجار لا يفكرون في مسائل غير مربحة، لقد آمنت به منذ أن أطلعها على نبوته، ومنذ ذلك اليوم وهي تصرف أموالها في سبيل الاسلام، حتى ماتت وهي لا تملك شروى نقير”.
هكذا كانت ام المؤمنين خديجة (عليها السلام)، بل حتى اكثر من ذلك فالله سبحانه وتعالى لما بعث محمداً نبياً لم يتركه وحده بل ايده ونصره، والتأييد والنصرة قد تكون في الاهل والاصحاب، لذلك كانت السيدة خديجة خير نصير وظهير للنبي (ص)، فعن عائشة قالت: “كان رسول الله (ص) إذا ذكر خديجة أثنى، وأحسن الثناء عليها، غرت وقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيراً منها!! فقال: ما أبدلني الله خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني أولادها إذ حرمني أولاد النساء”.
وهذا المستشرق الإيطالي غابريلي يتناول مواقف السيدة خديجة في كتابه محمد والفتوحات الإسلامية فيقول: “هي المرأة الأولى التي احتلت مكانة دائميه في حياته، وظلت تمثل الشخصية الانثوية الأكثر تعاطفا معه خلال سيرته من بين كثير من زيجاته اللواتي جئن بعدها…. وانها دعمت وشجعت الدعوة، وكانت طيلة مدة حياتها، المرأة الوحيدة التي حظيت بقلب النبي الشاب وعاطفته واحترامه وعاشت دعوته”.
لقد كانت خديجة شريكة النبي (ص) في كل آلامه وآماله، والمسلية له بما أصابه من أذى، بل كانت المعينة له على مكاره قريش، حتى وصفت بأنها وزير صدق بنفسها ومالها، ومنها يجب ان نستلهم هذه المواقف، وعلى النساء ان يقتدن بسيرة هذه السيدة العظيمة.